روايات شيقهرواية وبقي منها حطام أنثى

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الحادي والثلاثون

صعد على الدرجات ونظراته تطلق شرراً مخيفاً، إرتجفت منه، واختفى لون وجهها الطبيعي، وتبدلت تصرفاتها للخوف واﻹرتباك..
ولولا حمله لصغيرته لكان اﻷمر قد تطور لعراك عنيف، فها هي اﻷيام تمر ويعاد المشهد مجدداً ولكن مع أخته، ورغم يقينه من حسن نواياها، وتصرفاتها العفوية والبريئة إلا أنه أراد أن يرى ردة فعل عمرو حينما أصبح مثله، في موقف لا يحسد عليه…

فآنذاك لم يقبل هو بوجود علاقة من أي نوع بينه وبين أخته إيثار، وتعدى عليه بالضرب، وبالشتائم واﻹهانات، واليوم هو يكرر خطئه مع صغيرته روان..
أشار مالك لأخته بنظرات نارية مهددة وهو يأمرها بصرامة:
سيبي الشنط دي وخدي ريفان وإطلعي لفوق!
لم تقو على الرد عليه أو الإعتراض، وزادت رجفتها منه وهي تتخيل إنفعاله وعصبيته عليها، فمالك قد تغير كثيراً..
ونفذت أمره دون جدال…

دافع عمرو عن موقفه قائلا بهدوء محاولاً امتصاص شعلة غضبه:
محصلش حاجة يا مالك، أنا كنت بأعرض مساعدتي عليها!
حدجه مالك بنظرات محتقنة ورد عليه بنبرة غاضبة:
إنت بتردهالي؟
ارتفع حاجبي عمرو للأعلى، ونظر له مشدوها وهو يقول:
قصدك ايه؟
أمسك به من تلابيبه، وكز على أسنانه بقوة وهو يهزه بعنف، ثم صاح بعصبية:
انت مصدقتنيش لما قولتلك أنا معملتش حاجة مع إيثار وخدت حقك مني، عاوزني إزاي اسكت وأنا شايفك بعيني ب، آآ.

تصدى له عمرو، وحاول السيطرة على نوبة غضبه وهو يقول بحذر مقاطعاً إياه:
أنا غرضي شريف، وآآ..
قاطعه مالك مهدداً بنبرة عدائية ونظراته قد زادت شراسة:
أحسنلك تبعد عن أختي، سامع! أختي خط أحمر، ومش هاقبل إن واحد زيك يقرب منها، فاهم!
دار بخلد عمرو ذكرى نفس الموقف وتذكر كلماته المهددة والتي كانت مصحوبة بالضرب والسباب قبل سنوات عدة في المشفى..
إنه التاريخ، يعاد من جديد بعد أن تبدلت اﻷدوار..

هو اﻵن تفهم شعور المظلوم، شعور من لم يرتكب ذنباً أو جرماً شنيعاً ليحاسب عليه بلا رحمة، وتجرع من نفس الكأس التي أذاقها له..
دفعه مالك بقسوة للخلف، ثم تركه وأكمل صعوده لمنزل عمته ميسرة بعد أن التقط الأكياس البلاستيكية…

أوصدت روان باب غرفتها على نفسها، وجلست بالصغيرة ريفان على طرف فراشها تحتضنها بخوف..
تعلقت أنظارها بالباب، وترقرقت العبرات في عينيها..
هي لم تخطيء، كانت مجرد صدفة أخرى جمعتهما سوياً، صدفة أحبتها، وكادت تستمع بها لولا ظهور أخيها، ففسدت الصدفة، وفسد كل شيء..
انتفضت فزعة في مكانها على صوت الدقات على بابها، وزاد تمسكها بالصغيرة وكأنها تحتمي بها..
صاح بها مالك بصوت مرتفع وغليظ:
افتحي يا روان!

احتضنت الصغيرة أكثر، وترقرقت العبرات في مقلتيها، وهمست بخوف:
ﻷ، انت آآ…
قاطعها قائلاً بصرامة حينما استشعر رجفة نبرتها وخوفها المبرر منه:
افتحي مش هاعملك حاجة!
أجهشت بالبكاء، وانتحبت بأنين خافت…
تساءلت ميسرة من الخارج بقلق بعد أن رأت عبوس ابن أخيها:
في ايه يا مالك؟
أجابها بهدوء حذر:
مافيش حاجة يا عمتو، أنا هاخد روان تعيش معايا
استمعت من داخل غرفتها بقراره الصادم فزادت في بكائها المتحسر…

صعقت ميسرة مما قاله توا، وتساءلت بذهول وهي جاحظة العينين:
بتقول ايه؟!
رد عليها بجمود:
مش هاينفع تستنى هنا!
سألته بتوجس:
ايه اللي حصل عشان تقرر كده فجأة؟!
أجابها بهدوء دون أن تتبدل تعابير وجهه الصارمة:
مش هاستنى يحصل حاجة يا عمتو، انا قررت وخلاص!
سألته بتوجس أكبر وقد تسارعت دقات قلبها:
مالك، فهمني!
لم جيب عمته، بل صاح بصوت قوي آمر:
روان! انا عارف إنك سمعاني، قومي جهزي شنطتك بهدوء، قعاد هنا تاني مش هايحصل!

استطاع سماع صوت بكائها من الخارج، لكنه لم يجبر قلبه على أن يرق لها، فهذا هو اﻷفضل حالياً لها…
وها قد وأد أحلامها قبل أن تبدأ..
فحرمت جبراً من مشاعر رقيقة كانت تطفو بينها وبين شخص ظنت أنه حبيبها..

صعد عمرو إلى منزله ووجهه عابس للغاية..
ناول شقيقته حلواها ولم يعلق، تعجبت هي من تصرفه المريب، وولج إلى داخل غرفته دون أن يعطي أي تفسير لكونه يتصرف بغرابة..
هو أراد اﻹنفراد بنفسه ليفكر فيما جرى..
جلس على طرف فراشه، وانحنى بجذعه للأمام ليستند بمرفقيه على ركبتيه…
حاسب نفسه على تهوره فيما مضى..
وشعر بتأنيب ضميره..
هاهو يجرب بنفسه شعور المظلوم…

وضع يديه على رأسه ليضغط عليها، وتنهد بعمق بعد أن أخذ نفساً مطولاً..
هز رأسه للجانبين مستنكراً ما حدث..
تنهد مرة أخرى بإحباط، ونهض عن مكانه ليتجه إلى خزانته
بحث عن سترته ليرتديها ويخرج ليفكر بتأني وبعيداً عن أي ضغوط محيطة من حوله..
وما إن وقعت عيناه عليها حتى إلتقطها بكفه، وقبل أن يرتديها علق بأنفه رائحة غريبة ولكنها مميزة..
هي ليست رائحته المعتادة، هي رائحتها، نعم إنها هي..

رجفة قوية اصابته جعلت قلبه يخفق وتتسارع دقاته…
تذكر اﻵن أنه أعطاها لها لتغطي جسدها حينما تمزقت كنزتها.
ابتسم عفويا وهو يشتم سترته بعمق..
رفض ارتدائها وفضل أن يحتفظ بها هكذا لتظل رائحتها باقية فيها…

ظل صامتاً وهو يقود سيارته عائداً إلى فيلته..
لم يعاتبها أو يحاسبها على ما حدث بل أجبرها على القدوم معه للعيش هناك، هي مازالت صغيرة، لا تدري ما هو اﻷنسب لها.
وهي رضخت بإستسلام ﻷمره، لم تستطع تحديه أو عصيانه، فهو أخيها الوحيد وهي متيقنة من خوفه على مصلحتها..
جلست إلى جواره ولم تنبس بكلمة، كانت تخشى الحديث إليه.
أطرقت رأسها خجلا، واكتفت بتسليط انظارها على حجرها..

ظل ينظر إليها بين الفنية واﻷخرى بنظرات جامدة محاولاً سبر أغوار عقلها، ومتابعة ردود فعلها، لكنها كانت هادئة ساكنة، مستسلمة لما فرضه عليها..
تنهد بصوت مسموع، وقطع الصمت السائد بينهما بصوته الرخيم:
عاوزك تركزي في دراستك وبس!
أومأت برأسها دون أن تجيبه..
فتابع قائلاً بجدية:
كل اللي هتحتاجيه هاجيبهولك، والعربية بالسواق هايكونوا معاكي لو خرجتي!
هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي ترد بصوت هامس:
طيب.

أشاحت بوجهها للجانب لتحدق في الطريق، وشردت في تلك الصدف العابرة في حياتها..
هي إلتقت بعمرو في الحافلة، ولم يعد ذلك الوقح الفظ الذي كانت تكرهه، بل كان شخصاً ينبع بالرجولة والمروئة..
رأت في عينيه خوفه الصادق عليها، وحيائه منها، واحترامه لها، وأعجبها ذلك الإهتمام الضئيل ممن كانت تبغضه فأشعرها بأنها جوهرة غالية…

لم تشعر بنفسها وهي تبتسم بحزن على ذكرى سريعة مضت، ولن تتكرر، فقد قضي الأمر، وحكم على نبتة حبها بالموت…

لم تتوقع أن تعاملها والدتها بتلك القسوة، ألا يكفيها ما ذاقته لتزيد هي من آلمها، ولكنها تستحق هذا، فهي من جنت على نفسها، وأثرت هذا العريس عن غيره وأصرت عليه بإلحاح شديد..
نظرت لها إيمان بإزدراء، وهتفت بها بجمود:
أنا نازلة شوية ومش هتأخر
ردت عليها سارة بخفوت:
اوكي يا ماما
تابع إيمان قائلة بجدية:
أبوكي هيرجع كمان ساعة من عند المحامي، هيحاول يشوف صرفة في موضوعك ده
ردت عليها بإيجاز:
ماشي.

حدجتها إيمان بنظرات طويلة حادة، وأكملت بضيق:
يا ريت تراجعي نفسك وتعرفي إن اللي عملتيه مكانش صح
انزعجت سارة من حديث والدتها اللاذع، وتوسلتها بنبرة مختنقة:
خلاص يا ماما، أنا مش ناقصة حد يبكت فيا
ردت عليها والدتها بتهكم وهي ترمقها بنظرات ساخطة:
إياكش تكوني بتحسي، ضيعتي نفسك بعنادك، وأدينا بنحاول نشوف حل للبلوى اللي انتي فيها!
صاحت سارة محتجة وقد لمعت عيناها:
وأنا ذنبي ايه، هو أنا كنت أعرف انه نصاب وبخيل؟!

أشارت لها إيمان بإصبعها وهي توبخها بعنف:
أنا من الأول حذرتك، وانتي ركبتي دماغك، وجبتي لأبوكي على أخر الزمن الفضايح!
استعطفتها سارة بنبرة متشنجة:
كفاية يا ماما، أنا معنتش مستحملة
لوت إيمان ثغرها، وأضافت قائلة عن عمد:
أهو ذنب ناس وبيخلصه ناس!
نعم لقد صدقت والدتها في تلك المقولة..

هي تعمدت قول هذا لتشعر ابنتها بفداحة ما فعلته في الماضي إيذاء ابنة عمها، وكيف افترت عليها زوراً، فأذاقها الله من المعاناة ما جعلها تندم على فعلتها..

جلس عمرو على أحد المقاهي العامة ليفكر في خطوته القادمة، ولما لا يصارح عائلته بهذه المسألة، هو لم يعد صغيراً، وظل لفترة يبحث عن عروس مناسبة، وهو يراها الأنسب له..
طوال سنوات كانت جارته، ورغم المشاحنات بينهما إلا أنها أثبتت أنها فتاة محترمة على خلق، وذات أصول طيبة، وعشوائيتها الأولى كانت بسبب مرحلة المراهقة، لكنها الآن نسخة من أخته إيثار..

لم يحتك بها، ولكنه كان متابعاً لأغلب الحكاوي عن الفتيات وسلوكهن المشين والمتجاوز بصورة فجة، فعزف عن الإرتباط، لكن حان الوقت ليستقر ويؤسس أسرته..
لم يفكر مسبقاً بجدية في الزواج إلا بعد تعامله الجاد معها..
حسم أمره بمفاتحة والدته وأخته عن رغبته في الإرتباط بها..
ليس ما يقلقه هو رفضهما أو حتى اعتراضهما عليها، لكن مالك هو شاغله الأكبر، فالتاريخ بينهما حافل، وليس بالهين على الإطلاق أن يتقبله..

زفر بإستياء، وارتشف أخر جرعة في كوب الشاي، ولكنه تعشم في الله خيراً أن ييسر له كل عسير…

استعدت إيثار للذهاب إلى عملها، فقد ظنت أنه ليس من الجيد الاعتذار أو التكاسل عنه حتى لو أعطاها مالك اﻹذن بهذا، ، هي تود إثبات أنها جديرة بتلك الوظيفة، كذلك هي اشتاقت لرؤية الصغيرة ريفان، والتي أصبحت جزءاً أساسياً من يومها..
كما أنها لم تعد على التقصير في عملها، ولن ترغب في أن تتراخى فيه…
أحكمت ربط حجابها اﻷسود، وعلقت حقيبتها على كتفها وخرجت من غرفتها..

ألقت التحية على والدتها التي نظرت لها بإستغراب وسألتها مستفهمة:
إنتي مش كنتي هتاخدي كام يوم أجازة؟
ردت عليها بإبتسامة هادئة:
ايوه، بس أنا زهقت، ومش حابة إنه يتقال عني مصدقت انهم أدوني أجازة وأنتخت!
هزت والدتها رأسها بإيماءة خفيفة وهي تقول:
ربنا يعينك يا بنتي! خلي بالك بس من نفسك
همست له بنعومة وهي تنحني لتقبل جبينها:
حاضر
ثم تحركت بعدها إلى خارج المنزل..

ظلت الصغيرة تركض حولها وهي تلهو بكرتها الملونة، وما إن تشعر بالإرهاق حتى تحبو وتكمل لعبها..
تابعتها روان بعينيها ولكن عقلها كان شاردا في تلك المصادفات..
تنهدت بإستياء، ولمعت عيناها بوضوح..
أخذت تردد لنفسها أن ما فعله أخيها هو الصواب، وأنه اﻷدرى بالصالح لها لكي تقتنع بقراره الأخير…

لاح بعقلها ذكرى ضرب عمرو لذلك المتحرش في الحافلة، وإعطائها سترته لتستر جسدها، وابتسمت لنفسها بسخرية وهي تتذكر كيف كانت تمقته وتنعته بأسوأ اﻷلقاب، وهمست لنفسها بحرج:
حمبوزو!
تعثرت الصغيرة ريفان، وبدأت في البكاء، فأفاقت روان على صوتها الباكي، وهبت من مكانها راكضة نحوها، ثم أسرعت بحملها بين ذراعيها وظلت تقبل وجنتيها بعطف ومسحت على ظهرها برفق…

في نفس التوقيت وصلت إيثار إلى مدخل الفيلا، واتجهت نحو الحديقة حينما سمعت صوت بكاء الصغيرة..
تسمرت في مكانها مدهوشة حينما رأتها أمامها، رمشت بعينيها غير مصدقة أنها هي..
فغرت ثغرها لتنطق بصدمة:
روان!
التفتت روان للخلف عقب سماعها لذلك الصوت الأنثوي المألوف الذي تعرفه جيداً..
لم يقل إندهاشها عنها، وهتفت مصدومة:
إيثار!
أسرعت كلتاهما نحو بعضهما البعض لتحتضن إحداهما الأخرى بعاطفة صادقة..

وحُصرت الصغيرة في المنتصف بين أحضانهما المشتاقة..
هتفت روان بتلهف:
إنتي وحشاني اوي يا ريري!
ردت عليها إيثار بإبتسامة ناعمة:
وإنتي أكتر
تساءلت روان بفضول وهي ترمقها بنظراتها الناعمة:
قوليلي بتعملي ايه هنا؟
ردت عليها بهدوء وهي تنظر لها بثبات:
انا بأشتغل هنا، هو مالك بيه مقالكيش؟!
ارتفع حاجبي روان في ذهول، ورددت محاولة إستيعاب المغزى وراء تلك الكلمة الغامضة:
مالك بيه!

أوضحت إيثار لها ماذا تقصد قائلة بهدوء ورزانة:
اها أنا بأشتغل عنده بقالي فترة، أنا البيبي سيتر بتاعة ريفان
انفرجت شفتي روان للأسفل في صدمة واضحة، وهتفت بعدم تصديق:
لالالا مش معقول، إنتي أكيد بتهزري!
تعجبت إيثار من إخفاء مالك لتلك المعلومة عن عائلته، وتساءلت بإستغراب:
هو مش معرفكم بده؟
هزت رأسها نافية وهي تجيبها بجدية:
أبدا والله! انتي لازم تفهميني على كل حاجة بالراحة!
ابتسمت لها إيثار برقة وهي تضيف:.

اوكي، بس اﻷول هاقوم بدوري مع حبيبتي روفي
هتفت روان بتحمس:
ماشي، وأنا هساعدك
ردت عليها إيثار بثقة وهي تتناول الصغيرة منها لتحملها بين ذراعيها:
اكيييد، ده انتي عمتها
لفت روان ذراعها حول كتفي رفيقتها، وتنهدت بحرارة وهي تهمس لها بإشتياق:
ريري، ياه كنتي وحشاني اوي اوي!

لم يختلف حال إيثار عنها كثيراً، فهي الأخرى تبادلها نفس مشاعر الصداقة الطيبة، وكانت بحاجة ماسة إلى رفقتها خاصة في بعض الأوقات الحرجة، واليوم هي حظيت بها مجدداً..

اتسعت حدقتي تحية في ذهول بعد أن أخبرها عمرو برغبته في الارتباط بروان شقيقة مالك..
هزت رأسها مستنكرة ما قاله، وهتفت معترضة:
استحالة يحصل اللي بتطلبه!
سألها عمرو بعبوس وهو يشير بيده:
ليه بس؟
حدجته والدته بنظرات حادة، وصاحت فيه بغلظة:
في ايه يا عمرو! انت نسيت اللي حصل زمان واللي انت عملته فيه وفي أختك، تفتكر هو بالبساطة دي هيوافق إنه يديهالك؟!

ضغط على شفتيه بأسف، فوالدته قد أصابت فيما قالت، هو عارض وبشدة إرتباط أخته به فيما مضى، وبالطبع لن يكون من اليسير أن يقبل به زوجاً لأخته…
ومع ذلك أردف قائلاً بنبرة راجية:
أنا عارف إنه مش هيوافق بالساهل، بس الزمن اتغير، وكل واحد شاف حاله خلاص
هزت تحية رأسها مستنكرة ما يريده ابنها، وأصرت على موقفها، وبررت له:
يا عمرو إنت ممكن تكون نسيت، لكن هو ﻷ!
ثم صمتت للحظة قبل أن تكمل بنبرة حزينة:.

وحتى أختك إنت مش شايف حالها بقى عامل ازاي؟!
نظر عمرو لوالدته بجمود، وسألها بجدية:
يعني ايه يا ماما؟
ردت عليه بجدية شديدة دون أن تطرف عيناها:
يعني تنسى يا بني الكلام ده وتشيله من دماغك نهائي!
زفر عمرو بضيق، واعترض قائلاً بعناد:
لا إله إلا الله، بس أنا معجب بيها وعاوزها.

تأكدت تحية أن ابنها لن يتراجع عما يريد، وأنه سيصر عليه مهما كلفه الأمر، فأرادت أن توضح له ما ارتكبه سابقاً ليعيد ترتيب حساباته، فأكملت بحذر:
يا عمرو إنت مش عايز تفهم ليه، انت بهدلت أخوها وفركشت خطوبته من أختك وضربته وطردته، وعملت عداوة معاه ومع عيلته، وقطعناهم لسنين، وعاوز بعد ده كله تيجي تقوله جوزني أختك ﻷني معجب بيها؟!
رد عليها بضجر:
اللي حصل حصل، كله كان مقدر ومكتوب..!

تابعت والدته قائلة بهدوء وكأن مسألة إرتباطه بروان محكوم عليها بالفشل:
عموما يا بني شاور على اي واحدة تانية غيرها وأنا مستعدة أروح أكلم أهلها وأخطبهالك
رد عليها بإصرار واضح في نبرته وتعابير وجهه وكذلك نظراته:
وأنا مش عاوز غير روان وبس
ردت عليه تحية محذرة بجدية:
يا بني متركبش دماغك!
ثم أضافت بنبرة شبه حزينة:
طب فكر في أختك إيثار لو عرفت رد فعلها هايكون ايه؟

استغرب عمرو من جملة والدته الأخيرة، ونظر لها بعدم فهم، فأوضحت مقصدها قائلة بإستنكار:
راعي شعورها يا بني، إنت جيت عليها وحرمتها من حبها زمان، وبهدلتها، وسودت عيشتها، وجاي دلوقتي تحلل لنفسك اللي حرمته عليها!

أطرق عمرو رأسه في أسف، فهو بالفعل أساء لأخته كثيراً وحرمها من حقها الطبيعي في إختيار شريك حياتها، وأجبرها على الزواج من زميله الذي أذاقها ألواناً من العذاب، هو جنى عليها، ولن يكون هيناً أن تراه يرتبط بأخت حبيبها الأسبق..
تنهد بإحباط، ورد على والدته بضيق:
خلاص يا أمي فضينا سيرة من الموضوع ده
سألته والدته بفضول:
إنت هتصرف نظر عنه؟
رد عليها بفتور وقد ظهر الجمود على تعابير وجهه:
سبيها على الله!

حاول عمرو تهدئة اﻷجواء قليلاً حتى يفكر بصورة عقلانية في توابع قراره..
فأخته طرف في هذا الموضوع حتى وإن كانت واقفة على الحياد..
هو يتفهم اﻵن شعورها، أن تحرم جبراً مما ترغب فيه
هو جنى عليها سابقاً، وها هو اليوم يتجرع من نفس الكأس المر..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى